فصل: في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْبِئْرَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَانْخَسَفَتْ الْبِئْرُ في ذَلِكَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.مَا جَاءَ في اكْتِرَاءِ الْأَرْضِ بِالْمَاءِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اكْتَرَيْت مِنْك شِرْبَ يَوْمٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ في هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ قَنَاتِك هَذِهِ بِأَرْضِي هَذِهِ تَزْرَعُهَا سَنَتَك هَذِهِ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَذَا، لِأَنَّهُ لَوْ اكْتَرَى أَرْضَهُ بِدَيْنٍ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ، فَكَذَلِكَ إذَا أَكْرَاهَا لِشِرْبِ يَوْمٍ مِنْ الْقَنَاةِ في كُلِّ شَهْرٍ.

.في الْعَيْنِ وَالْبِئْرِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ يَقِلُّ مَاؤُهَا:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ قَنَاةٌ بَيْنَنَا وَنَحْنُ أَشْرَاكٌ، فَاحْتَاجَتْ الْقَنَاةُ إلَى الْكَنْسِ فَقَالَ بَعْضُنَا: نَكْنُسُ.
وَقَالَ بَعْضُنَا: لَا نَكْنُسُ.
وَفي تَرْكِ الْكَنْسِ الضَّرَرُ بِالْمَاءِ وَانْتِقَاصُهُ مَا حَالُهُمْ؟
قَالَ: إنْ كَانَ في مَائِهِمْ مَا يَكْفيهِمْ، أَمَرَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْكَنْسَ أَنْ يَكْنُسُوا وَيَكُونَ لَهُمْ فَضْلُ الْمَاءِ الَّذِي زَادَ بِالْكَنْسِ دُونَ الَّذِينَ لَمْ يَكْنُسُوا.
وَذَلِكَ أَنِّي سَمِعْت مَالِكًا.
وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ بَيْنَهُمْ مَاءٌ فَقَلَّ مَاؤُهُمْ فَكَانَ لِأَحَدِهِمْ نَخْلٌ يَسِيرَةٌ.
فَقَالَ الَّذِي لَهُ هَذِهِ النَّخْلُ الْيَسِيرَةُ: في مَائِي مَا يَكْفينِي وَلَا أَعْمَلُ مَعَكُمْ.
قَالَ مَالِكٌ: يُقَالُ لِلْآخَرِينَ: اعْمَلُوا.
فَمَا جَاءَ مِنْ فَضْلِ الْمَاءِ عَنْ قَدْرِ مَا كَانَ لَهُ كَانَ لَكُمْ أَنْ تَمْنَعُوهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَكُمْ حِصَّتَهُ مِنْ النَّفَقَةِ، وَيَكُونُ لَهُ مِنْ فَضْلِ الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت بِئْرَ الْمَاشِيَةِ إذَا قَلَّ مَاؤُهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَكْنُسُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَكْنُسُ.
فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ مِثْلُ بِئْرِ الزَّرْعِ: إنَّ الَّذِينَ كَنَسُوا أَوْلَى بِفَضْلِ مَا زَادَ الْكَنْسُ في الْمَاءِ حَتَّى يُرْوُوا، فَإِذَا رَوَوْا كَانَ شُرَكَاؤُهُمْ الَّذِينَ أَبَوْا الْكَنْسَ والأجنبيون في ذَلِكَ سَوَاءٌ حَتَّى يُعْطُوهُمْ مَا كَانَ يُصِيبُهُمْ مِنْ النَّفَقَةِ، فَإِنْ أَعْطَوْهُمْ كَانُوا شُرَكَاءَ في جَمِيعِ الْمَالِ عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الْمَاءِ.
ثُمَّ النَّاسُ في الْفَضْلِ شَرْعًا سَوَاءٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا النَّاسَ مِنْ الْفَضْلِ.
وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الْمَاءِ قَبْلَ الْكَنْسِ فَهُمْ فيهِ كُلُّهُمْ شَرْعًا سَوَاءٌ عَلَى قَدْرِ حُظُوظِهِمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا شُفْعَةَ في بِئْرِ مَاشِيَةٍ وَلَا تُبَاعُ: قَالَ مَالِكٌ: في بِئْرِ الزَّرْعِ فيهِ الشُّفْعَةُ إذَا لَمْ تُقْسَمْ الْأَرْضُ.

.في بِئْرِ الْمَاشِيَةِ إذَا بِيعَتْ وَبِئْرِ الزَّرْعِ وَفيمَا أَفْسَدَ الْمَاءُ أَوْ النَّارُ مِنْ الْأَرْضِ:

قُلْت: أَيَصْلُحُ بَيْعُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تُبَاعُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ وَإِنْ احْتَاجَ أَهْلُهَا إلَى بَيْعِهَا وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ بِئْرِ الزَّرْعِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنِّي أَرْسَلْت مَاءٍ في أَرْضِي فَخَرَجَ الْمَاءُ مَنْ أَرْضِي إلَى أَرْضِ جَارِي فَأَفْسَدَ زَرْعَهُ وَمَا في أَرْضِهِ، أَيَكُونُ عَلِيّ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ أَوْ أَرْسَلْت النَّارَ في أَرْضِي فَأَحْرَقَتْ مَا كَانَ في أَرْضِ جَارِي، أَيَكُونُ عَلِيّ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَرْسَلَ النَّارَ في أَرْضِهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ النَّارَ في أَرْضِهِ كَانَتْ أَرْضُ جَارِهِ مَأْمُونَةً مِنْ هَذِهِ النَّارِ بَعِيدَةً عَنْهَا، فَتَحَامَلَتْ النَّارُ أَوْ حَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَأَسْقَطَتْهَا في أَرْضِ جَارِهِ هَذَا فَأَحْرَقَتْ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الَّذِي أَرْسَلَ النَّارَ وَإِنْ كَانَتْ النَّارُ إذَا أَرْسَلَهَا في أَرْضِهِ عَلِمَ أَنَّ أَرْضَ جَارِهِ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ هَذِهِ النَّارِ لِقُرْبِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَكَذَلِكَ الْمَاءُ هُوَ مِثْلُ النَّارِ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَحْرَقَتْ هَذِهِ النَّارُ نَاسًا، أَيَكُونُ ذَلِكَ في مَالِ الَّذِي أَرْسَلَ النَّارَ أَمْ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَالَ: عَلَى عَاقِلَتِهِ.

.مَا جَاءَ في مَمَرِّ الرَّجُلِ إلَى مَائِهِ في أَرْضِ غَيْرِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ لِي أَرْضًا، وَإِلَى جَانِبِ أَرْضِي أَرْضٌ لِغَيْرِي، وَعَيْنٌ لِي خَلْفَ أَرْضِ جَارِي، وَلَيْسَ لِي مَمَرٌّ إلَّا في أَرْضِ جَارِي، فَمَنَعَنِي مَنْ الْمَمَرِّ إلَى الْعَيْنِ؟
قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ رَجُلِ لَهُ أَرْضٌ وَحَوَالَيْهِ زَرْعٌ لِلنَّاسِ في أَرْضِهِمْ، فَأَرَادَ صَاحِبُ تِلْكَ الْأَرْضِ أَنْ يَمُرَّ بِمَاشِيَتِهِ إلَى أَرْضِهِ في زَرْعِ الْقَوْمِ.
قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ يُفْسِدُ زَرْعَهُمْ فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ.

.في بَيْعِ صَيْدِ السَّمَكِ مِنْ غَدِيرِ الرَّجُلِ أَوْ مِنْ أَرْضِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَ في أَرْضِي غَدِيرٌ فيهِ السَّمَكُ، أَوْ عَيْنٌ لِي فيهَا السَّمَكُ، فَأَرَدْت أَنْ أَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ أَنْ يَصِيدُوا ذَلِكَ؟
قَالَ: سَأَلَتْ مَالِكًا عَنْ بُحَيْرَاتٍ تَكُونُ عِنْدَنَا بِمِصْرَ لِأَهْلِ قُرَى يَبِيعُونَ سَمَكَهَا مِمَّنْ يَصِيدُ فيهَا سَنَةً.
قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَبِيعُوهَا لِأَنَّهَا تَقِلُّ مَرَّةً وَتَكْثُرُ مَرَّةً، وَلَا يَدْرِي كَيْفَ تَكُونُ.
وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبُحَيْرَاتِ أَوْ الْبِرَكِ أَنْ يَمْنَعُوا أَحَدًا يَصِيدُ فيهَا مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ فيهَا حَقٌّ.

.مَا جَاءَ في بَيْعِ الْخِصْبِ وَالْكَلَأِ:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ لِي خِصْبًا في أَرْضِي، أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَبِيعَهُ مِمَّنْ يَرْعَاهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ عَامَهُ ذَلِكَ وَلَا يَبِيعُهُ عَامَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةً.
قُلْت: وَإِنَّمَا جَوَّزَ مَالِكٌ بَيْعَهُ بَعْدَمَا يَنْبُتُ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.مَا جَاءَ في إحْيَاءِ الْمَوَاتِ:

قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ، أَتَكُونُ لَهُ أَمْ لَا تَكُونُ لَهُ حَتَّى.
يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ الْإِمَامَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِحْيَاؤُهَا شَقُّ الْعُيُونِ وَحَفْرُ الْآبَارِ وَغَرْسُ الشَّجَرِ وَبِنَاءُ الْبُنْيَانِ وَالْحَرْثُ.
إذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْيَاهَا.
قَالَ: وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُحْيِيَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ.
وَإِنَّمَا تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا» إنَّمَا ذَلِكَ في الصَّحَارِيِ وَالْبَرَارِيِ.
وَأَمَّا مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ وَمَا يَتَشَاحُّ النَّاسُ فيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُحْيِيَهُ إلَّا بِقَطِيعَةٍ مِنْ الْإِمَامِ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَالِكًا، هَلْ كَانَ يَعْرِفُ هَذَا الَّذِي يَتَحَجَّرُ الْأَرْضَ أَنَّهُ يُتْرَكُ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَإِنْ أَحْيَاهَا وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ في التَّحَجُّرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الْإِحْيَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ مَا وَصَفْت لَك الْأَوَّلَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا ثُمَّ أَسْلَمَهَا بَعْدُ حَتَّى تَهَدَّمَتْ آبَارُهَا وَهَلَكَ شَجَرُهَا، وَطَالَ زَمَانُهَا حَتَّى عَفَتْ بِحَالِ مَا وَصَفْت لَك، وَصَارَتْ إلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ.
ثُمَّ أَحْيَاهَا آخَرُ بَعْدَهُ، كَانَتْ لِمَنْ أَحْيَاهَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي أَحْيَاهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا قَوْلُ مَالِكٍ في هَذَا لِمَنْ أَحْيَا في غَيْرِ أَصْلٍ كَانَ لَهُ، وَأَمَّا أُصُولُ الْأَرْضِينَ إذَا كَانَتْ لِلنَّاسِ تُخَطَّطُ أَوْ تُشْرَى فَهِيَ لِأَهْلِهَا، وَإِنْ أُسْلِمَتْ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَهَا، وَهُوَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَتَوْا أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْبَرِّيَّةِ فَنَزَلُوا فَجَعَلُوا يَرْعَوْنَ مَا حَوْلَهُمْ، أَيَكُونُ هَذَا إحْيَاءً؟
قَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا إحْيَاءً.
قُلْت: فَإِنْ حَفَرُوا بِئْرًا لِمَاشِيَتِهِمْ، أَيَكُونُ هَذَا إحْيَاءً لِمَرَاعِيهِمْ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَكُونَ هَذَا إحْيَاؤُهُمْ أَحَقُّ بِمَائِهِمْ حَتَّى يُرْوَوْا، ثُمَّ يَكُونُ فَضْلَةً لِلنَّاسِ وَهُمْ وَالنَّاسُ في الْمَرْعَى سَوَاءٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ في الْحَدِيثِ أَنَّهُ «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ مَاءٍ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ».
فَالْكَلَأُ لَا يَمْنَعُهُ إلَّا رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ قَدْ عُرِفَتْ لَهُ، فَهَذَا الَّذِي يَمْنَعُ كَلَأَهَا وَيَبِيعُ كَلَأَهَا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فيمَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْت، فَلَا يَكُونُ إحْيَاءً، وَلَكِنَّهُمْ أَوْلَى بِبِئْرِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا وَلَا يَمْنَعُوا فَضْلَ مَائِهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ أَرْضًا في فَلَاةٍ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَسَيَّلَ رَجُلٌ مَاءَهَا، أَيَكُونُ هَذَا إحْيَاءً؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا أَوْ أُرَاهُ إحْيَاءً لَهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَتَى أَرْضًا قَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا الْغِيَاضُ وَالشَّجَرُ فَقَطَعَهُ وَنَقَّاهُ، أَيَكُونُ هَذَا إحْيَاءً؟
قَالَ مَالِكٌ: هَذَا إحْيَاءٌ لَهَا.

.فيمَنْ حَفَرَ بِئْرًا إلَى جَنْبِ بِئْرِ جَارِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَفَرَ بِئْرًا بَعِيدَةً عَنْ؛ بِئْرِ جَارٍ لَهُ، وَكَانَ أَحْيَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَانْقَطَعَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى وَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا انْقَطَعَ مِنْ حَفْرِ هَذِهِ الْبِئْرِ الثَّانِيَةِ، أَيُقْضَى لَهُ عَلَى هَذَا بِرَدْمِ الْبِئْرِ الثَّانِيَةِ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَ مَا يَضُرُّ بِبِئْرِهِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ فَلَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى هَذَا فيرْدِمَ بِئْرَهُ الَّتِي حَفَرَهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ حَفَرَ بِئْرًا في غَيْرِ مِلْكِهِ في طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ حَفَرَهَا في أَرْضِ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِ رَبِّ الْأَرْضِ، أَوْ حَفَرَهَا إلَى جَنْبِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ وَهِيَ تَضُرُّ بِبِئْرِ الْمَاشِيَةِ بِغَيْرِ أَمْرِ رَبِّ الْبِئْرِ فَعَطِبَ رَجُلٌ في تِلْكَ الْبِئْرِ، أَيَضْمَنُ مَا عَطِبَ فيهَا هَذَا الَّذِي حَفَرَهَا مِنْ دَابَّةٍ أَوْ إنْسَانٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَطِبَ فيهَا.
قُلْت أَرَأَيْت الْآبَارَ الَّتِي تَكُونُ في الدُّورِ، أَيَكُونُ لِي أَنْ أَمْنَعَ جَارِي مِنْ أَنْ يَحْفِرَ في دَارِهِ بِئْرًا يَضُرُّ بِبِئْرِي الَّتِي في دَارِي أَمْ لَا؟
قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ في الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ في دَارِهِ بِئْرًا إلَى جَنْبِ جِدَارِهِ، فَحَفَرَ جَارُهُ في دَارِهِ بِئْرًا إلَى جَنْبِ جِدَارِهِ مِنْ خَلْفِهَا.
قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِبِئْرِ جَارِهِ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْدَثَ كَنِيفًا أَيْضًا يَضُرُّ ذَلِكَ بِبِئْرِي مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ بِئْرِي في وَسَطِ دَارِي، فَحَفَرَ جَارِي في وَسَطِ دَارِهِ بِئْرًا يَضُرُّ بِبِئْرِي مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَسَطُ الدَّارِ وَغَيْرُ وَسَطِهَا سَوَاءٌ يَمْنَعُ جَارَهُ مِنْ أَنْ يُحْدِثَ في دَارِهِ بِئْرًا تَضُرُّ بِبِئْرِ جَارِهِ عِنْدَ مَالِكٍ.

.في الرَّجُلِ يَفْتَحُ كُوَّةً في دَارِهِ يُطِلُّ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ:

قُلْت: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَنَى قَصْرًا إلَى جَنْبِ دَارِي وَرَفَعَهَا عَلَيَّ وَفَتَحَ فيهَا أَبْوَابًا وَكُوًى، يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى عِيَالِي أَوْ عَلَى دَارِي، أَيَكُونُ لِي أَنْ أَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ في رَجُلٍ أَحْدَثَ غُرْفَةً عَلَى جَارِهِ، فَفَتَحَ عَلَيْهِ كُوًى فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ في ذَلِكَ: أَنْ يُوضَعَ وَرَاءَ تِلْكَ الْكُوَى سَرِيرٌ، أَوْ يَقُومَ عَلَيْهِ رَجُلٌ.
فَإِنْ كَانَ يَنْظُرُ إلَى مَا في دَارِ الرَّجُلِ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْظُرْ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ.
وَرَأَى مَالِكٌ أَنَّهُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرًا مُنِعَ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَنَاوَلُ النَّظَرَ إلَيْهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَفْتَحْ فيهَا أَبْوَابًا وَلَا كُوًى، وَلَكِنَّهُ مَنَعَنِي الشَّمْسَ الَّتِي تَسْقُطُ في دَارِي وَمَنَعَنِي الرِّيحَ الَّتِي كَانَتْ تَهُبُّ في دَارِي، أَيَكُونُ لِي أَنْ أَمْنَعَهُ مِنْ أَنْ يَرْفَعَ بُنْيَانَهُ إذَا كَانَ مُضِرًّا بِي في شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي سَأَلْتُك عَنْهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُمْنَعُ مِنْ هَذَا، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ إذَا أَحْدَثَ كُوًى أَوْ أَبْوَابًا يُشْرِفُ مِنْهَا، فَهَذَا الَّذِي يُمْنَعُ مِنْهَا وَيُقَالُ لَهُ سُدَّهَا، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في الرِّيحِ وَالشَّمْسِ شَيْئًا.
وَلَا أَرَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْعَيْنِ:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ أَرْضًا بَيْنَ قَوْمٍ قَدْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَهُمْ غَيْرُهُمْ فيهَا شُرَكَاءُ هِيَ شِرْبٌ لِأَرْضِهِمْ، أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَصْرِفَ شِرْبَهُ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى، أَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلَيْنِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا الْأَرْضُ قَدْ اقْتَسَمَاهَا، وَلَهُمَا بِئْرٌ تَشْرَبُ الْأَرْضُ مِنْهَا، فَاقْتَسَمَا الْأَرْضَ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ مَاءَهُ مِنْ رَجُلٍ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى.
قَالَ: ذَلِكَ لَهُ، وَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ الْبِئْرَ.
فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ بِهَا أَرْضًا لَهُ أُخْرَى، أَوْ يُؤَاجِرَ الشِّرْبَ مِمَّنْ يَسْقِي أَرْضًا لَهُ أُخْرَى، أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَنِي أَرْضًا فَزَرَعَهَا، أَوْ بِئْرًا فَسَقَى مِنْهَا أَرْضَهُ وَزَرْعَهُ، أَوْ دُورًا فَسَكَنَهَا، أَيَكُونُ عَلَيْهِ كِرَاءُ مَا سَكَنَ وَمَا زَرَعَ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ مَا شَرِبَ مَنْ الْمَاءِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْأَرْضِ عَلَيْهِ كِرَاءُ مَا زَرَعَ، وَالدُّورُ وَالْبِئْرُ عِنْدِي بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ عَلَيْهِ كِرَاءُ ذَلِكَ.
قُلْت: فَلِمَ قُلْت في الْحَيَوَانِ إنَّهُ إذَا غُصِبَ فَرُكِبَ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: كَذَلِكَ سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنِّي ارْتَهَنْت عَيْنًا أَوْ قَنَاةً أَوْ جُزْءًا مِنْ شِرْبِ بِئْرٍ أَوْ جُزْءًا مِنْ شِرْبِ عَيْنٍ أَوْ جُزْءًا مَنْ شِرْبِ نَهْرٍ، أَيَكُونُ لِرَبِّ الْبِئْرِ أَوْ لِرَبِّ النَّهْرِ أَوْ رَبِّ الْعَيْنِ أَوْ رَبِّ الْقَنَاةِ أَنْ يَكْرِيَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَكْرِيَهَا، وَلَا يَكُونُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْت رَهْنًا حَتَّى يَقْبِضَ، فَإِذَا قَبَضَ صَارَ رَهْنًا.
قُلْت: وَكَيْفَ يَكُونُ قَبْضُ هَذَا لِهَذَا الَّذِي سَأَلْتُك عَنْهُ؟
قَالَ: قَبْضُهُ أَنْ يَحُوزَهُ وَيَحُولَ بَيْنَ صَاحِبِهِ وَبَيْنَهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ وَحَازَهُ صَارَ مَقْبُوضًا.
قُلْت: أَفيكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَكْرِيَ مَاءَ هَذِهِ الْبِئْرِ أَوْ مَاءِ هَذِهِ الْقَنَاةِ أَوْ مَاءَ هَذِهِ الْعَيْنِ مَنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ رَبُّهَا بِذَلِكَ؟
قَالَ: إنْ لَمْ يَأْمُرْهُ رَبُّهَا بِذَلِكَ، بِأَنْ يَكْرِيَ تَرَكَ، وَلَمْ يَكْرِهِ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ أَكْرَاهُ وَكَانَ الْكِرَاءُ لِرَبِّ الْأَرْضِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَرْتَهِنُ الدَّارَ.
قَالَ مَالِكٌ: فَلَيْسَ لِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يَكْرِيَهَا، وَلَكِنْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَكْرِيَهَا بِأَمْرِ صَاحِبِ الدَّارِ وَيَلِيَ الْمُرْتَهِنُ الْكِرَاءَ، وَيَكُونُ الْكِرَاءُ لِرَبِّ الدَّارِ.
قُلْت: وَلَا يَكُونُ الْكِرَاءُ رَهْنًا في حَقِّهِ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ الْكِرَاءُ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُرْتَهِنُ، فيكُونُ لَهُ رَهْنًا مَعَ الدَّارِ إذَا اشْتَرَطَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَكْرِيَهَا وَيَأْخُذَ كِرَاءَهَا في حَقِّهِ قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ ذَلِكَ مِنْ، بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ شَرْطُهُ هَذَا، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ مِنْ قَرْضٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ.
قُلْت: وَلِمَ قَالَ مَالِكٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ بَيْعٍ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا؟
قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقْبِضُ أَيَقِلُّ أَمْ يَكْثُرُ أَمْ تَنْهَدِمُ الدَّارُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَضِيَ.
قُلْت: وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ وَقَعَتْ صَفْقَتُهُ عَلَى أَنْ يَرْتَهِنَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ يَكْرِيَهَا وَيَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْ كِرَائِهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ تَقَعْ صَفْقَةُ الْبَيْعِ عَلَى أَنْ يَرْتَهِنَ الدَّارَ أَوْ يَكْرِيَهَا وَيَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْ كِرَائِهَا، وَلَكِنِّي بِعْتُهُ بَيْعًا ثُمَّ ارْتَهَنْتُ مِنْهُ الدَّارَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَكْرِيَهَا وَآخُذَ كِرَاءَهَا حَتَّى أَسْتَوْفي؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ ارْتَهَنْت قَنَاةً أَوْ بِئْرًا وَإِلَى جَنْبِهَا أَرْضٌ فيهَا زَرْعٍ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ فَمَنَعَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ ذَلِكَ، أَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، ذَلِكَ.
لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَيْسَ هَذَا الرَّهْنُ مَقْبُوضًا وَهَذَا رَأْيِي.
قلت: أَرَأَيْت إنْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْقِيَ زَرْعَهُ، أَيَكُونُ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الدَّارِ يَرْتَهِنُهَا الرَّجُلُ فيأْذَنُ لِرَبِّهَا أَنْ يَسْكُنَ فيهَا.
قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَذِنَ في ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الدَّارُ إذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يَكْرِيَهَا فَأَكْرَاهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إذَا سَكَنَهَا فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ، سَكَنَهَا بِكِرَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ كِرَاءٍ؟
قُلْت: فَمَتَى تَخْرُجُ مِنْ الرَّهْنِ إذَا سَكَنَ أَوْ إذَا أَذِنَ لَهُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ إذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يَكْرِيَ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ.

.في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْبِئْرَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَانْخَسَفَتْ الْبِئْرُ في ذَلِكَ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت بِئْرًا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فيهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَانْحَسَفَتْ الْبِئْرُ في أَيَّامِ الْخِيَارِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ مِنْ مُصِيبَةٍ في أَيَّامِ الْخِيَارِ فَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَصْلُحُ النَّقْدُ في بَيْعِ الْخِيَارِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَسَوَاءٌ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُبْتَاعِ فَالْمُصِيبَةُ مِنْ الْبَائِعِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا، فَقَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا، أَيَكُونُ لِي أَنْ أَرُدَّهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً، ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَجَعَلْت لَهُ الْخِيَارَ أَوْ جَعَلَ لِي الْخِيَارَ، أَيَلْزَمُنِي الْخِيَارُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ أَمْرًا يَجُوزُ في مِثْلِهِ الْخِيَارُ.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَهُوَ رَأْيِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.كِتَابُ الْحُدُودُ في الزِّنَا وَالْقَذْفِ:

.الْحُدُودُ في الزِّنَا وَالْقَذْفِ:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَطِئَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ، وَقَالَتْ الشُّهُودُ لَا نَدْرِي هَلْ هِيَ امْرَأَتُهُ أَمْ أَمَتُهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. أَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْحَدَّ أَمْ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ جَارِيَتُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدِمَ بِهَا مِنْ بَلَدٍ غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا إذَا قَالَ: هِيَ امْرَأَتِي أَوْ جَارِيَتِي وَأَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ، في شَيْءٍ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ.
قُلْت: أَرَأَيْت أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا افْتَرَوْا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَتَحُدُّهُمْ حَدَّ الْفِرْيَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، يُحَدُّونَ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ في النَّصْرَانِيِّ: إذَا قَذَفَ الْمُسْلِمَ ضُرِبَ الْحَدَّ ثَمَانِينَ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ امْرَأَةً طَلَّقَهَا - وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ - أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ نِسَاءً مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ عَامِدًا عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ، أَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
قُلْت: فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ قَالَ: إذَا تَعَمَّدَ كَمَا وَصَفْت لَك لَمْ يُلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَإِثْبَاتُ النَّسَبِ.
قُلْت: وَاَلَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ في عِدَّتِهَا عَامِدًا يُعَاقَبُ وَلَا يُحَدُّ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ عَلَى خَالَتِهَا أَوْ عَلَى عَمَّتِهَا، وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ عَامِدًا لَا يُحَدُّونَ في ذَلِكَ وَيُعَاقَبُونَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت كُلَّ وَطْءٍ دَرَأْت فيهِ الْحَدَّ عَنْ الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَطْءُ لَا يَحِلُّ، أَلَيْسَ مَنْ قَذَفَهُ يُضْرَبُ لَهُ الْحَدُّ؟
قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ في رَأْيِي.

.فيمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَقَالَ قَدْ اشْتَرَيْتهَا أَوْ تَزَوَّجْتهَا:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَطِئَ أَمَةَ رَجُلٍ، فَقَالَ الْوَاطِئُ: اشْتَرَيْتهَا مِنْ سَيِّدِهَا، وَقَالَ سَيِّدُهَا: لَمْ أَبِعْهَا مِنْك، وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا قَالَ: يُحَدُّ إذَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَتُحَدُّ الْجَارِيَةُ مَعَهُ.
قَالَ: وَلَوْ جَازَ هَذَا لِلنَّاسِ لَمْ يَقُمْ حَدٌّ أَبَدًا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ يُوجَدُ مَعَ الْمَرْأَةِ يَزْنِي بِهَا فيقُولُ: تَزَوَّجْتهَا.
وَتَقُولُ: تَزَوَّجَنِي.
وَهُمَا مُقِرَّانِ بِالْوَطْءِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ أَنَّ عَلَيْهِمَا الْحَدَّ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك في الْأَمَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ الَّذِي وَطِئَ الْأَمَةَ، ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ سَيِّدِهَا - وَسَيِّدُهَا مُنْكِرٌ - فَقَالَ لَك: اسْتَحْلِفْ لِي سَيِّدَهَا أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهَا مِنِّي.
فَاسْتَحْلَفْتَهُ فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، أَيَجْعَلُ الْجَارِيَةَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ: أَرُدُّ الْيَمِينَ - في قَوْلِ مَالِكٍ - عَلَى الَّذِي ادَّعَى الشِّرَاءَ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي قَبْلَهُ الشِّرَاءَ عَنْ الْيَمِينِ، فَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي جُعِلَتْ الْجَارِيَةُ جَارِيَتَهُ وَدَرَأَتْ عَنْهُ الْحَدَّ، لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ مِلْكَهُ وَثَبَتَ شِرَاؤُهُ.
قُلْت: وَاَلَّذِي وَطِئَ الْمَرْأَةَ فَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: تَزَوَّجَنِي، وَقَالَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتهَا مِنْهُ بِرِضَاهَا إلَّا أَنَّا لَمْ نُشْهِدْ بَعْدُ وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُشْهِدَ، أَيُدْفَعُ الْحَدُّ عَنْ هَؤُلَاءِ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُدْفَعُ الْحَدُّ عَنْ هَذَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى النِّكَاحِ غَيْرُهُمْ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا شَهِدَ عَلَيْهِمَا بِالزِّنَا، ثُمَّ زَعَمَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَنَّهُ زَوَّجَهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى إثْبَاتِ النِّكَاحِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ حَدَدْتهمَا - وَهُمَا بِكْرَانِ - ثُمَّ قَالَا: نَحْنُ نُقِرُّ عَلَى نِكَاحِنَا الَّذِي حُدِدْنَا فيهِ.
وَقَالَ الْوَلِيُّ: قَدْ كُنْت زَوَّجْتهَا وَلَمْ أُشْهِدْ وَأَنَا الْآنَ أُشْهِدُ لَهَا.
أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا.
وَأَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُحْدِثَا نِكَاحًا جَدِيدًا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا قَدْ حُدَّا في ذَلِكَ الْوَطْءِ.
قُلْت: هَلْ يُسْتَحْلَفُ الرَّجُلُ مَعَ امْرَأَتَيْنِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ قَالَ: نَعَمْ، في الْأَمْوَالِ كُلِّهَا الَّتِي تَجُوزُ فيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُمَا وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَطِئَ جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ: اشْتَرَيْتهَا مِنْ سَيِّدِهَا، وَأَقَامَ امْرَأَةً تَشْهَدُ عَلَى الشِّرَاءِ، أَتُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى الْوَاطِئِ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِأَمْرٍ يَقْطَعُ بِهِ شَيْئًا، وَشَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا شَيْءَ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ، لِأَنَّ مَالِكًا حَدَّثَنِي أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ زَوْجِي يَطَأُ جَارِيَتِي.
فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ، فَاعْتَرَفَ بِوَطْئِهَا وَقَالَ: إنَّهَا بَاعَتْنِيهَا.
فَقَالَ عُمَرُ: لَتَأْتِيَنِّي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ لَأَرْجُمَنَّكَ بِالْحِجَارَةِ.
فَاعْتَرَفَتْ الْمَرْأَة أَنَّهَا بَاعَتْهَا مِنْهُ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْجَارِيَةَ الَّتِي وَطِئَهَا - وَسَيِّدُهَا يُنْكِرُ الْبَيْعَ - أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا شَهِدُوا عَلَى الرُّؤْيَةِ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ وَطِئَهَا وَادَّعَى الشِّرَاءَ وَأَنْكَرَ سَيِّدُهَا الْبَيْعَ.
قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ أَشْهَبُ: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ أَقَرَّ سَيِّدُهَا أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ سَيِّدُهَا الْبَيْعَ.

.فيمَنْ دَفَعَ إلَى امْرَأَتِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَى امْرَأَتِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَقَدْ فَرْضَ عَلَيْهِ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا أَوْ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ هُوَ الَّذِي دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهَا أَوْ كَسَاهَا كِسْوَةَ السَّنَةِ بِفَرِيضَةٍ مِنْ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ فَرِيضَةٍ، ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، أَوْ مَاتَ الرَّجُلُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَيُّهُمَا مَاتَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ، وَيَكُونُ لَهُ قَدْرُ مَا مَضَى مِنْ السَّنَةِ إلَّا الْكِسْوَةُ، فَإِنِّي رَأَيْت مَالِكًا يَسْتَحْسِنُ في الْكِسْوَةِ أَنْ لَا تُتْبِعَ بِشَيْءٍ مِنْهَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ مَاتَ الرَّجُلُ بَعْدَ الْأَشْهُرِ، وَلَمْ يَجْعَلْ الْكِسْوَةَ بِمَنْزِلَةِ الْقَمْحِ وَالزَّيْتِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: في هَذَا كُلِّهِ يُرَدُّ عَلَى حِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَلَا أَرَى فيهَا شَيْئًا - لَا دَرَاهِمَ وَلَا غَيْرَهَا - وَنَزَلْت بِالْمَدِينَةِ وَأَنَا عِنْدَهُ فَحَكَمَ فيهَا بِمَا أَخْبَرْتُك وَكَانَ مِنْ آخِرِ مَا سَمِعْت مِنْهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ مَاتَتْ بَعْدَمَا دَفَعَ إلَيْهَا الْكِسْوَةَ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ هَذَا قَرِيبٌ، وَالْوَجْهُ الَّذِي قَالَ مَالِكٌ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا مَضَى لِلْكِسْوَةِ الْأَشْهُرُ.

.فيمَنْ لَهُ شِقْصٌ في جَارِيَةٍ فَوَطِئَهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ الشِّقْصُ في الْجَارِيَةِ فيطَؤُهَا، فيقِرُّ أَنَّهُ وَطِئَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ، أَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ لَا يُحِبَّ شَرِيكُهُ أَنْ تُقَوَّمَ عَلَيْهِ وَيَتَمَسَّكَ بِحِصَّتِهِ فَذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ هِيَ حَمَلَتْ قُوِّمَتْ عَلَيْهِ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ.
قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ إذْ قُوِّمَتْ عَلَيْهِ مَنْ الصَّدَاقِ شَيْءٌ؟
قَالَ: لَا، لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ شَيْءٌ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ أَتَى ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ جَاهِلٍ أُدِّبَ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ هِيَ لَمْ تَحْمِلْ، وَتَمَاسَكَ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْهَا وَلَمْ يَرْضَ أَنْ يُقَوِّمَهَا عَلَيْهِ، أَيُجْعَلُ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ لِهَذِهِ - عِنْدَ مَالِكٍ - مِنْ الصَّدَاقِ شَيْءٌ.
قُلْت: وَلَا مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَا مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ كَانَتْ لَهُ فَتَرَكَهَا وَتَمَاسَكَ بِنَصِيبِهِ نَاقِصًا.
قُلْت: وَلِمَ جَعَلَتْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُقَوِّمَهَا عَلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ إذَا هِيَ لَمْ تَحْمِلْ وَهَذِهِ لَمْ تَفُتْ؟
قَالَ: لِأَنِّي دَرَأْتُ الْحَدَّ فيهِ فَجَعَلْتُ شَرِيكَهُ مُخَيَّرًا، إنْ شَاءَ قَوَّمَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ تَمَاسَكَ بِحِصَّتِهِ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْجَارِيَةَ تَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فيعْتِقُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ - وَلَا مَالَ لَهُ أَوْ لَهُ مَالٌ - فيطَؤُهَا الْمُتَمَاسِكُ بِالرِّقِّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقُومَ عَلَى شَرِيكِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، أَتُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا لِمَكَانِ الرِّقِّ الَّذِي لَهُ فيهَا، لِأَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ شَرِيكُهُ مُوسِرًا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ، وَأَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُ بِالشُّبْهَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ شَيْءٌ أَمْ لَا أَوْ مِمَّا نَقَصَهَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ في الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إذَا طَاوَعَتْهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ كَانَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا عَيْبًا دَخَلَهَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ الَّذِي وَطِئَ، لِأَنَّ الرِّقَّ لَهُ.
وَهِيَ إذَا طَاوَعَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ في النِّصْفِ الَّذِي كَانَ يَكُونُ لَهَا مِمَّا يَنْقُصُهَا مِنْ قِيمَتِهَا، وَإِنْ هُوَ اسْتَكْرَهَهَا كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي في الْأَمَةِ يَكُونُ نِصْفُهَا حُرًّا وَنِصْفُهَا مَمْلُوكًا، فيجْرَحُهَا رَجُلٌ: إنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَيِّدِهَا الَّذِي لَهُ فيهَا الرِّقُّ، وَإِنَّمَا قِيمَةُ جُرْحِهَا قِيمَةُ جُرْحِ أَمَةٍ.
وَقَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ أَيُّمَا رَجُلٍ غَصَبَ أَمَةً فَوَطِئَهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا مَعَ الْحَدِّ.
فَهَذِهِ وَإِنْ كَانَ نِصْفُهَا حُرًّا، فَاَلَّذِي وَطِئَهَا لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مَا نَقَصَهَا إذَا كَانَ اسْتَكْرَهَهَا، لِأَنَّهُ لَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا غَصَبَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، لِأَنَّ الْحُرَّ مِنْهَا تَبَعٌ لِلرِّقِّ مِنْهَا.
فَإِذَا أَخَذَتْ ذَلِكَ، كَانَ لَهَا النِّصْفُ وَلِلسَّيِّدِ الْمُتَمَسِّكِ بِالرِّقِّ النِّصْفُ، وَإِنَّمَا أَعْطَيْنَا السَّيِّدَ الْمُتَمَسِّكَ بِالرِّقِّ النِّصْفَ لِأَنَّهَا لَوْ جُرِحَتْ جُرْحًا يُنْقِصُهَا كَانَ لَهُ نِصْفُهُ، وَلَوْ جَرَحَتْ هِيَ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ مَا جَرَحَتْ أَوْ يُسَلِّمُ نِصْفَهُ، وَكَذَلِكَ مَا وَجَبَ لَهَا في اغْتِصَابِهَا نَفْسَهَا إنَّ ذَلِكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَيِّدِهَا بِمَنْزِلَةِ جِرَاحَاتِهَا، لِأَنَّ مَالِكًا جَعَلَ في اغْتِصَابِهَا نَفْسَهَا مَا نَقَصَهَا، وَفي الْجِرَاحَاتِ إنَّمَا فيهَا مَا نَقَصَهَا وَلَا يُشْبِهُ مَا قَضَى لَهَا بِهِ في الِاغْتِصَابِ مَهْرَهَا الَّذِي تَتَزَوَّجُ بِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، لِأَنَّ مَهْرَهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَسْتَفيدُهَا وَمَهْرُهَا مَوْقُوفٌ في يَدَيْهَا، بِمَنْزِلَةِ مَا اسْتَفَادَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ.
قُلْت: وَمَنْ يُزَوِّجُ هَذِهِ الْأَمَةَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَيِّدُهَا الْمُتَمَسِّكُ بِالرِّقِّ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ في تَزْوِيجِهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُزَوِّجُهَا هَذَا الْمُتَمَسِّكُ بِالرِّقِّ إلَّا بِرِضَاهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذِهِ الْأَمَةَ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْتَقَ جَمِيعَهَا فَوَطِئَهَا الْبَاقِي وَلِلْمُعْتِقِ مَالٌ أَوْ لَا مَالَ لَهُ؟
قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يُحَدَّ الْوَاطِئُ لِلرِّقِّ الَّذِي لَهُ فيهَا، لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ لِشَرِيكِهِ فيهَا إذَا كَانَ، مُعْدَمًا.
وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مِمَّنْ يُعْذَرُ بِالْجَهَالَةِ وَلَا يَرَى أَنَّ عِتْقَ الْمُوسِرِ يَلْزَمُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَكَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا رَأَيْتُ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَذَلِكَ أَنِّي سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْجَارِيَةِ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُعْتِقُهَا أَحَدُهُمَا كُلَّهَا.
قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ يَلْزَمُ شَرِيكَهُ إذَا كَانَ لِلْمُعْتِقِ مَالٌ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ الْبَاقِي حِصَّتَهُ بَعْدَ عِتْقِ الْمُعْتِقِ الْجَمِيعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فيهَا عِتْقٌ، فَلِذَلِكَ رَأَيْت عَلَيْهِ الْحَدَّ.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ الَّذِي أَعْتَقَ جَمِيعَهَا - وَهُوَ مُوسِرٌ - لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ بِتَضْمِينِ نِصْفِ الْقِيمَةِ حَتَّى أُعْسِرَ وَصَارَ مُعْدَمًا؟
قَالَ: إنْ كَانَ السَّيِّدُ الْمُتَمَسِّكُ عَلِمَ بِعِتْقِهِ فَتَرَكَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ فيأْخُذُهُ وَأَخَذَهُ، فَالْعِتْقُ مَاضٍ وَيَصِيرُ نِصْفُ الْقِيمَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعِتْقِ حَتَّى أُعْسِرَ الْمُعْتِقُ رَأَيْتُهُ عَلَى حَقِّهِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ إذَا تَرَكَ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَقُومَ عَلَى ذَلِكَ أَخَذَهُ فَتَرَكَهُ حَتَّى أُعْسِرَ، فَالْعِتْقُ مَاضٍ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ دَيْنٌ عَلَيْهِ.